الصفحة الرئيسية

الحرب الاسرائيلية على فلسطين ولبنان يوليو 2006م


بقلم/علي عبدالله صالح - رئيس الجمهورية

إن كل ذي ضمير حيٍّ ليشعر بالألم والحيرة وهو يتابع بحزن مشاهد القتل والتدمير والهجمة العدوانية الشرسة التي ترتكبها إسرائيل بغطرسة لا حدود لها واستخدام مفرط للقوة العسكرية ضد الشعبين الفلسطيني واللبناني، حيث يتساقط نتيجة ذلك العدوان الإسرائيلي الشرس المئات من الضحايا الأبرياء أطفالاً وشيوخاً ونساءً، ويتم تدمير كل مقومات البنية التحتية والاقتصادية في لبنان وفلسطين في ظل صمت دولي يدعو للأسف والاستغراب، ومعايير مزدوجة في تطبيق قرارات الشرعية الدولية وانحسار تام لقيم العدالة ومفاهيم حقوق الإنسان.

وإذا كانت إسرائيل هي من تبرر عدوانها الهمجي السافر بذريعة تخليص ثلاثة من جنودها تم أسرهم من قبل المقاومة الفلسطينية واللبنانية.. فإنها بتلك الأعمال اللاإنسانية وغير المنطقية تتجاوز في حقيقة الأمر تلك الذريعة المتمثلة في تحرير جنودها الثلاثة إلى تنفيذ أجندة خاصة بها ضد الشعبين الفلسطيني واللبناني والأمة العربية والمنطقة عموماً، وذلك عن طريق خلط الأوراق إقليمياً ودولياً.

ويبلغ الأمر مداه من التناقض حينما نجد إسرائيل وهي من تشن حرباً مفتوحة وتطلق العنان لآلتها العسكرية لتقتل وتدمر وترتكب المجازر بدافع تخليص ثلاثة جنود في الوقت الذي تكتظ سجونها بعشرات الآلاف من المعتقلين الفلسطينيين واللبنانيين والعرب (المسكوت عنهم) ومنهم الأطفال والشيوخ والنساء، وفيهم وزراء وأعضاء مجلس تشريعي انتخبهم الشعب الفلسطيني بإرادة حرة وانتخابات ديمقراطية شهد العالم بنزاهتها.
حيث لا تتردد إسرائيل -وهي قوة احتلال- في التفاخر باحتجاز هؤلاء جميعاً في ظروف بالغة القسوة وسلبهم كرامتهم وحقوقهم الإنسانية في تحدٍّ سافر لكل الأعراف ومواثيق المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان.

وما من شك فإن التصعيد الإسرائيلي ضد الشعبين الفلسطيني واللبناني يضع المنطقة أمام تهديدات خطيرة تنذر بتقويض أسس الأمن والاستقرار فيها، بل إن ذلك التصعيد يضع هذه المنطقة أمام مصير مجهول واحتمالات تنبئ بأسوأ الكوارث.
 ولهذا فإن على المجتمع الدولي وفي المقدمة الدول الثماني الكبرى الاضطلاع بمسؤولياتهم الأخلاقية والإنسانية في التدخل الحازم والعاجل لوقف العدوان وإلزام اسرائيل بالخضوع لاستحقاقات السلام العادل والانصياع للإرادة الدولية وقراراتها ذات الصلة بالصراع العربي-الإسرائيلي خاصة وأن العرب قد اختاروا طريق السلام وأكدوا ذلك من خلال المبادرة العربية المقدمة من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز التي تم إقرارها في قمة بيروت.

وبلا شك فإن تلك المبادرة العربية قد حملت الأسس الواقعية لإحلال السلام العادل والشامل في المنطقة، حيث شددت على أهمية إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية المحتلة وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف باعتبار ذلك يمثل المدخل الحقيقي لتكريس عوامل الاستقرار والأمن والتعايش السلمي في المنطقة.
وبدون ذلك فإن الوضع في المنطقة سيظل ملتهباً وغير مستقر، إذ أن استمرار سياسة العدوان والغطرسة الإسرائيلية يبدد كل الجهود المبذولة في مجال مكافحة الإرهاب ويهيئ المناخات المشجعة لتنامي ظاهرة التطرف والإرهاب في المنطقة والعالم إذا ما أدركنا تزايد مشاعر الإحباط واليأس في النفوس خاصة لدى الشباب العربي والمسلم نتيجة تمادي إسرائيل في غطرستها واعتداءاتها المتكررة التي لا تجد من يردعها، وكذا غياب العدالة الدولية وطغيان سياسة الكيل بمكيالين في تطبيق قرارات الشرعية الدولية، حيث أن مثل هذه الأسباب هي من توفر الأرضية المناسبة لقوى التطرف والإرهاب لجذب أولئك الشباب إلى صفوفها والتغرير بهم ودفعهم لارتكاب أعمال العنف التي تهدد الاستقرار والسلم الإقليمي والدولي.

إن الجمهورية اليمنية -وانطلاقاً من إدراكها لتلك المخاطر واستشعارها لمسؤوليتها القومية- قد قامت بالدعوة إلى عقد قمة عربية طارئة في مقر الجامعة العربية بالقاهرة لإيمانها بأن عقد مثل هذه القمة يمثل ضرورة قومية مُلحَّة من أجل الوقوف أمام التداعيات الناتجة عن العدوان الإسرائيلي المتصاعد على الشعبين الفلسطيني واللبناني واتخاذ موقف عربي موحد وفعال لمواجهة التحديات التي تحيط بالأمة وإيجاد الآليات الكفيلة بتنفيذ مبادرة السلام العربية، وكذا الوقوف بمسؤولية أمام الأوضاع في العراق والصومال ودارفور بالسودان والخروج برؤية عربية موحدة تصون مصالح الأمة وتحفظ لها حقوقها ودورها التاريخي ومكانتها الحضارية بين الأمم.

وبكل تأكيد فإن تجاوز الوضع العربي الراهن وتعزيز اقتدار الأمة في الدفاع عن أمنها ووجودها يستدعي وقفة جادة وصادقة وإدراكاً واعياً بأن أي تردد عن عقد هذه القمة لن يزيد الأوضاع إلا سوءاً وتدهوراً.. وهو ما لا يتمناه أي عاقل ومحب للسلام.
 

*المصدر: الثورة.. 18 يوليو 2006م.



جميع الحقوق محفوظة للمركز الوطني للمعلومات - اليمن